نور العالم/ نسيم عبيد عوض


الأحد السادس من الصوم الكبير يسمى بأحد التناصير‘ وقراءات صباح هذا اليوم تحدثنا عن الإستنارة القلبية والروحية التى ينالها كل من يؤمن ويعمد من الماء والروح ‘ والمثل على ذلك أعطاه الرب يسوع بتفتيح عينى المولود أعمى‘وفصل إنجيل هذا الصباح المبارك يقرأ أيضا فى الأحد الرابع من شهر طوبة‘ من بشارة معلمنا يوحنا البشير إصحاح 9ويبدأ هكذا" وفيما هو مجتاز رأى انسانا أعمى منذ ولادته. فسأله تلاميذه قائلين يامعلم من اخطأ هذا ام أبواه حتى ولد أعمى.اجاب يسوع لا هذا اخطأ ولا ابواه لكن لتظهر أعمال الله فيه. ينبغى ان أعمل اعمال الذى أرسلنى مادام نهار .يأتى ليل حين لا يستطيع احد ان يعمل. مادمت فى العالم فانا نور العالم."يو9: 1-5
ومعجزة تفتيح عينى المولود أعمى لم يحدث مثلها فى العهدين القديم والجديد سوى فى هذا الحدث الذى يتحدث عنه هذا الإصحاح ‘ولم يرد ذكره سوى فى هذا الإنجيل فقط  كقول المولود الأعمى نفسه" منذ الدهر لم يسمع أن أحدا فتح عيني مولود أعمى." يو9: 22‘ ولكن فقط نبوات كثيرة  وردت فى أنبياء العهد القديم أن عطية النظر للعميان هى أحد أعمال المسيا المنتظر"ويسمع فى ذلك اليوم الصم أقوال السفر‘ وتنظر من القتام والظلمة عيون العمي."اش29: 18‘ وأيضا " حينئذ تتفتح عيون العمي وآذان الصم تتفتح." اش35: 5‘ ومثلها" أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم ‘لتفتح عيون العمى ."أش42: 6 و 7. وفى شخص المولود أعمى تحققت النبوات خلال شخص المسيح المسيا المنتظر‘ هو الرب الذى يفتح الأعين الداخلية للقلب مع العيون الجسدية ‘حيث أنها أعمال لا يمارسها إلا الله نفسه أو بإسم الرب.
وهذا الفصل من الكتاب كما يقرأ اليوم ليلحق بالأحد الرابع من شهر طوبة عقب العماد المقدس ليسوع المسيح المسمى بعيد الغطاس أو عيد الظهور الإلهى‘ يقرأ أيضا فى الاحد السادس من الصوم الكبير وهو عيد التناصير ومعناه الإستنارة كقول الأعمى" كنت أعمى والآن أبصر." ‘لأن المعمودىة هى الميلاد الثانى للمؤمنين حتى يولدوا من الروح ويكتسبون الأبدية ‘ ويستعلن طبيعة المسيح فيهم كقول الرسول" شاكرين الآب الذى أهلنا لشركة ميراث القديسين فى النور . الذى أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا الى ملكوت إبن محبته." كو1: 12و13‘ وكقول القديس بطرس "كما الى سراج منير فى موضع مظلم الى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح فى قلوبكم." 2بط1: 19. ولذلك نتأمل اليوم فى نور الله وإستنارة المؤمنين:
مادمت فى العالم فأنا نور العالم
نعم يارب نحن نؤمن بذلك. وفى البدء خلقت النور الطبيعى فى المسكونة المظلمة وقت أن كانت الأرض خالية وخربة وعلى وجه الغمر ظلمة ."تك1: 1‘ ولكن روح الله يرف على على وجه المياه‘ وقال الله ليكن نور فكان نور . ورأى الله النور أنه حسن . وفصل الله بين النور والظلمة .ودعي الله  النور نهارا والظلمة دعاها ليلا. " تك1: 3-5‘وفى اليوم الرابع " وقال الله لتكن أنوار فى جلد السماء لتفصل بين النهار والليل. وتكون لآيات واوقات وايام وسنين .وتكون انوارا فى جلد السماء لتنير على الارض."تك1: 14و15.
مادمت فى العالم فأنت نور العالم ‘ نعم يارب جسديا فأنت نور العالم ‘ وأيضا نورك الإلهى مستعلن فى قلوبنا  وحتى بعد تركك للعالم حيث قلت " أنا معكم كل الأيام والى إنقضاء الدهر." وأيضا لتحذرنا طوال وجودنا على الأرض فى الجسد فلنسهر ونحرص على حياة التوبة والإستنارة ‘فنحتفظ بنورك الإلهى ‘ لأنه بعد الموت لن يكون هناك فرصة للتوبة ‘ فظلمة الخطية تبعدنا عن نورك المستعلن فينا. مادام يمكننا ان نتمتع بأعمالك الخلاصية حتى ينتهى النهار أى عمرنا على الأرض‘ ويحل ليل القبر ولا يمكن الإنتفاع باعمالك ‘ فقد مضى نهار حياتنا وقت أن كان يشرق علينا نورك الألهى.
وفى السماء ايضا أنت نورها وسراجها ‘ فسنحيا معك فى الأبدية فى نورك وليس نور أية كواكب كقول الكتاب"ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون الى سراج أو نور الشمس لأن الرب الإله ينير عليهم وهم سيملكون الى أبد الآبدين." وفى مدينة الله أورشليم السمائية" والمدينة لا تحتاج الى الشمس ولا الى القمر ليضيئا فيها لان مجد الله قد انارها والخروف سراجها."رؤ20: 33و 34. نعم يارب نؤمن بيقين أنك أنت النور الساطع فى قلوبنا وأرواحنا ‘ وجعلتنا أبناء النور من يوم ميلادنا الثانى ‘ وحتى حياتنا معك فى الأبدية نعيش فى نورك الإلهى. وكوعدك المقدس" أنا هو نور العالم من يتبعنى فلا يمشى فى الظلمة بل يكون له نور الحياة."يو8: 12. وكقول الكتاب" فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس . كان هو النور الحقيقى الذى ينير كل  انسان آتيا الى العالم." يو1: 4و9.
هبة الإستنارة
ومعجزة تفتيح عينى المولود أعمى هى الرسالة التى يوجهها لنا الرب اليوم ‘ فالنور الطبيعى هو خالقه  وقد وهبه للمولود أعمى ‘ وهبة الإستنارة أو النور الحقيقى الذى هو نور المسيح ‘ الذى أعطى الإستعلان للأعمى حتى إستنار فكره وعقله وقلبه فى معرفة ابن الله ‘ وقد تم الخلاص لهذا الانسان بعد ان أستنار وتفتحت بصيرته فى معرفة شخص المسيح :
1- قال عنه أنسان يقال له يسوع صنع طينا وطلى عيني وقال إذهب الى بركة سلوام وأغتسل‘ فمضيت وأغتسلت وأبصرت."
2- عندما سألوه ماذا تقول انت عنه من حيث فتح عينيك فقال على الفور انه نبي.  3- عرفه أيضا" انه انسان من عند الله ‘ لو لم يكن هذا من الله لا يقدر ان يفعل شيئا.
 4-  قال للرب يسوع أؤمن ياسيد أنك ابن الله.
5- فقال أؤمن يسيد وسجد له ‘ وهكذا تحققت النبوات عن شخص المسيح كقول النبوة " واجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين‘ من بيت السجن ‘ الجالسين فى الظلمة." أش 42: 6و7 .


النور الحقيقى
الكتاب المقدس يقدم لنا تطبيق عملى على النور الحقيقى فى حياة المؤمن كقول الرب" وقال لهم يسوع النور( الحقيقى) معكم زمان قليلا بعد فسيروا مادام لكم النور لئلا يدرككم الظلام. والذى يسير فى الظلام لا يعلم إلى اين يذهب." يو12: 35.  فالانسان الذى يسير بعيدا عن المسيح (النور) تداهمة الخطية ويستولى عليه إبليس ويسقطه فى فخاخة ‘ وقيمة النور الحقيقى هنا ‘ فضح الخطية وتبدديها‘وإنتقال الانسان من الظلمة الى النور.
النور الحقيقى هو نور لانهائي وغير محدود ‘ ولكنه يعطى لفرصة محدودة جدا زمنيا وهى حياة الانسان على الأرض" النور معكم زمانا قليلا بعد." ويمنحنا فرصة لا تعوض" مادام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا أبناء النور." يو12: 36‘وكنتيجة للإستنارة يحدث تحول فى حياة المؤمن وسلوك جديد يبعده عن خطايا العالم كما يقول القديس  بولس فى رسالته الى كولسى الذى يقرأصباح اليوم  "وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ‘.
لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ،لَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ،"كو3: 8-10
كيف نرى ونؤمن بالمسيح كنور ؟
فى قراءة الكاثوليكون هذا الصباح  أيضا يقرر الكتاب"ونعلم ان ابن الله قد جاء واعطانا بصيرة لنعرف الحق.ونحن فى الحق فى ابنه يسوع المسيح.هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية."1يو5: 19و20‘ ويبقى سؤال يتردد فى ذهن القارئ كيف نرى ونؤمن بالمسيح كنور وإستنارة؟ والإجابة : الإيمان بالنور هو إدراك روحى صافى بوجود المسيح فى حياتنا‘ وذلك بالوعى المسيحى الذى نلناه بالإيمان والميلاد الثانى ‘ وبالروح القدس الذى يعقد شركتنا مع السيد المسيح النور‘ ليس على شكل محدود ولكن كيان يحل فى القلب فيملأه فرحا ونعيما وبهجة قلبية وسرور ‘ والعلامة على ذلك هو استعلان خفايا أقوال المسيح ووصاياه وفهمها فهما روحيا عميقا مؤثرا‘ وهذا بحد ذاته فعل النور فى القلب‘ ومثلا كقول الرسول" لا يستطيع أحد أن يقول ان يسوع المسيح رب إلا بالروح القدس. فالإيمان بذلك هو من ثمار الروح القدس. وهذا الإيمان عطية من الله تجعلنا نورا للعالم كقول الرب " أنتم نور العالم .. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ."مت5: 16..
الكتاب المقدس والنور الإلهى
يقول القديس مار يعقوب السروجى ( ينير الكتاب أعين النفس ‘ فأقرأ أيها العاقل ‘ وأمتلئ من حبه ‘ فمن قراءة الأسفار المقدسة تشرق الشمس على العقول التى تتغذى منها بتمييز. لقد قدم الله الأسفار المقدسة فى العالم كسراج نور يضيئ فى ظلمته . فالذى يحب نفسه يستنير بالقراءة ‘ ويسير على هداها.)
ظهور النور هو حكم إعدام ضد الظلمة‘ يضع لنا إختيار إجبارى ‘ الإيمان أو رفض الإيمان‘ والذى يختار الظلمة سببها أعماله الشريرة التى لا يستطيع العيش بدونها" أحب الناس الظلمة أكثر من النور لان أعمالهم شريرة ."يو3: 19‘ " ولا يأتى الى النور لئلا توبخ أعماله." يو3: 20.
النور الحقيقى وهو المسيح هو الوحيد الذى يستعلن الحقائق الإلهية " الله لم يره أحد قط ‘الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر." يو1: 18‘ وبمعنى آخر ان عمل السيد المسيح الاساسى هو إلقاء نور الاستعلان فى قلب المؤمن لكى يدرك الحق كل الحق ‘ كقول الرب نفسه" أنا قد جئت نورا للعالم حتى كل من يؤمن بى لا يمكث فى الظلمة." يو12: 46 ‘فالظلمة هى جهالة الخطية وعمى الروح ‘ والنور هو استعلان معرفة الله للقداسة. ووصف الله بالنور ليس أنه نور مرئ بالنظر ‘ بل هو طبيعة الله غير المدركة بالعقل بل بالروح‘ والسيد المسيح هو شعاع وبهاء مجد الله فهو النور الذى جاء الى العالم ليستعلن طبيعة الله غير المدركة " من رآنى فقد رأى الآب."
الله قادر ان يرسخ كلمته النور والحياة فى قلوبنا ويجعلنا نسلك كأبناء نور للمسيح .أمين.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق