البطريرك الراعي: المسؤولون يهملون الشعب والوطن

الغربة فريد بو فرنسيس 
سأل البطريرك الماروني الكردينال مار بشارة بطرس الراعي باسم الشعب اللبناني المجروحة كرامته المسؤولين السياسيين لا سيما النواب الى متى يهملون واجبهم الدستوري بانتخاب رئيس للجمهورية؟ وقال: ان شعبنا الذي يكرم السلطة السياسية ويحترمها ولا يثور عليها في الشارع لا يلقى من هذه السلطة الا الاستهتار والاهمال والاستغلال واغماض الاعين وصم الاذان وبات ضائعا ومشردا كخراف لا راعي لها.مشيراالى ان المسؤولين السياسيين يهملون الشعبَ، ويتركونه فريسةَ الجوع والقهر، والخطف والابتزاز والتهجير؛ ويفكّكون أوصال الدولة ومؤسّساتها بدءًا من إقفال القصر الجمهوري، وحرمانها من الرأس الذي يعطي الحياة لمؤسّساتها
كلام البطريرك الراعي جاء خلال عظة قداس الاحد في كنيسة سيدة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان حيث القى عظة لفت فيها الى اننا اليوم، وسط الصعوبات في لبنان ومنطقة الشَّرق الأوسط التي تتآكلها الحروب، وتُمارَس فيها كلُّ أنواع العنف والإرهاب، مدعوّون للصمود والشهادة، من أجل البلوغ إلى مجتمع أفضل، رافعا الصلوات لكي يَمسَّ اللهُ ضمائرَ وقلوب أرباب الحروب في سوريا والعراق والأراضي المقدّسة وفلسطين، لإيقافها، ولإحلال السلام العادل والشامل، مؤكدا ان المسيح خلّص العالم، والمسيحيّةُ اتّسعت وسع الكرة الأرضية، لا بقوّة السلاح، ولا بقوّة المال، ولا بقوّة السلطة والنفوذ، بل بقوّة التضحية بالذات والمحبة وروح الأخوّة. 
ولفت الى ان الوطن لا يُبنى إلّا بتضحيات أبنائه، بدءاً من المسؤولين السياسيّين، لأنَّ في يدهم مقاليد البلاد. المسؤول الحقيقي والجدير بحمل المسؤولية هو هذا الشخص المتجرِّد من ذاته ومن مصالحه، يُضحّي بكلّ شيء من أجل نموِّ البلاد، ويعمل بروح يوحنا المعمدان وشعارِه: "عليَّ أن أنقص وعلى المسيح أن ينمو" (يو 3: 13). فإنْ تتعثّر الدولة ويعمُّ الفسادُ طبقتَها السياسية، فتبدأ بنهب المال العام وسرقة خزينة الدولة، وبالتمسّك بالسلطة عن غير وجه حق، أو بالسعي إليها بطرقٍ غير مشروعة، فذاك بسبب المسؤول الأجير، صاحبِ المصلحة الشخصية والساعي إليها على حساب الصالح العام. المسؤول القويّ هو، لا الذي يفرض نفسه مسؤولاً، بل الذي يبحث الناسُ عنه ويقيمونه رئيسًا.

فليعلم الجميع أنّنا نحن في لبنان، وشعبَنا الذي نلتقيه كلَّ يوم، من مسيحيّين ومسلمين، مُقيمين ومنتشرين، لا نرضى على الإطلاق بهذا الواقع المأساوي الذي بلغ ذروته في حرمان الدولة اللبنانيّة من رئيسٍ لها. ولا يُقنعُنا أيُّ مبرّر بانتهاكِ الدستور والميثاق الوطني ونتائجه على مجلس النّواب والحكومة المتعثِّرَين. ولا نرضى بإذلال المواطنين بعدم منحهم حقوقهم، وبحرمانهم من مقوّمات الحياة الأساسيّة،ولا نرضى ان يكون طلابنا رهينة هذا الصراع القائم في لبنان ولا نرضى ان يحرم شعبنا وبخاصّة الماء والكهرباء، والأمن والاستقرار.

ومن المؤسف القول إنّ شعبنا اللبناني الذي يكرّم السلطة السياسيّة ويحترمها ولا يثور عليها في الشارع، بل يطلب منّا أن نطالبها باسمه، لا يلقى من هذه السلطة إلا الاستهتارَ والإهمالَ والاستغلالَ، وصمَّ الآذان عن سماع أنينه، وإغماضَ الأعين عن حالته البائسة، فبات ضائعًا ومشرَّدًا كخرافٍ لا راعيَ لها.

من واجبنا، باسم هذا الشعب المجروح في كرامته، أن نسأل المسؤولين السياسيّين ولاسيما السادة النوّاب: إلى متى يُهملون واجبَهم الدستوري بانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة؟ إنّه الواجب الأوّل على مجلسِ النواب ومجلسِ الوزراء قبل أي عملٍ آخر. ذلك، لكي يستقيم عملُهما، ويتمكّنا من ممارسة مسؤولياتهما التشريعيّة والإجرائيّة، التي يُحييها ويُشرّعها رئيس البلاد، تمامًا كما يفعل الرأس لجميع أعضاء الجسد؟
ونتساءل: أليس صوتُ النائب في انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة صوتًا شخصيًّا، حرًّا، مسؤولاً، يكون في خدمة مصلحة الوطن العليا؟ فكيف يوفِّق بين هذه ومصلحةِ الكتلة النيابيّة التي ينتمي إليها؟
ونسأل: هل نوابُنا الكرام في مختلف الكتل مقتنعون بعدم انتخاب رئيس للجمهورية وبتداعياته على كلّ البلاد؟ فإذا كانوا مقتنعين، نقول لهم إنّهم يخونون وظيفتهم وقد وكّلهم المواطنون الذين انتخبوهم لهذا العمل الشريف. 
أمّا إذا كانوا غيرَ مقتنعين ولا يجرؤون على تحرير صوتهم، خوفًا على مصالحهم، فإنّنا نلومهم. وفي الوقت عينه نذكّرهم بواجب "اعتراض الضمير" وهو عدم الالتزام بما يرَونه ضررًا للبلاد وإساءة للشعب، وتعطيلاً لمصالح الوطن.

ونسأل: لماذ لا يحضر جميع النواب إلى المجلس النيابيّ ويختارون مَن يشاؤون رئيسًا للبلاد من بين المرشّحين علنًا ومن بين غير المرشّحين؟ أإلى هذا الحدّ هم عاجزون؟ وينتظرون، كالعادة، أن يُقال لهم من الخارج إسمُ الرئيس لكي يدخلوا المجلس النيابي ويدلوا بصوت غيرهم، لا بصوتهم الشخصيّ؟ ولئن كان هذا الأمرُ مُخجلاً ومُذلاً للكرامة الوطنيّة، فسنعمل نحن على ما يصون الجمهوريّة اللبنانيّة، ويحمي الدولة، ويحفظ مكانها ومكانتها في الأسرتَين العربية والدولية.

كم وبّخ الله وأنذر، على لسان حزقيال النبي، المسؤولين عن الشعب لإهمالهم له من أجل مصالحهم الخاصّة فقط: "ويلٌ للرعاة الذين يرعون أنفسهم... ولا يرعون الخراف. الضعاف لم تقووها، والمريضة لم تداووها، والمكسورة لم تجبروها، والشاردة لم تردّوها، والضّالة لم تبحثوا عنها. وإنّما تسلّطتُم عليها بقسوة وقهر. 
فأصبحت مشتّتة من غير راعٍ، وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقول... لذلك أطلب خرافي من أيديهم. 
وأكفّهم عن رعي الخراف، فلا يرعى الرعاة أنفسَهم بعد اليوم. وأنقذ خرافي من أفواههم، فلا تكون لهم مأكلاً... أنا أرعى خرافي (حز 34: 1-5، 10، 15). ويعد على لسان إرميا: "سأقيم على خرافي رعاةً مثل قلبي" (إرميا 23: 4).

إنّنا نصلّي في هذه الأيام العسيرة، حيث يُهمل المسؤولون السياسيّون الشعبَ والوطن، ويتركونه فريسةَ الجوع والقهر، والخطف والابتزاز والتهجير؛ ويفكّكون أوصال الدولة ومؤسّساتها بدءًا من إقفال القصر الجمهوري، وحرمانها من الرأس الذي يعطي الحياة لمؤسّساتها، سائلين الله أن يُتمّم وعده ويرسل لنا رعاةً، رجالاتِ دولةٍ حقيقيّين، مسؤولين حقًّا، لكي ينهضوا بالبلاد، ويخلّصوها من أفواه آكليها فيسلم الشعب والوطن. 
فنرفع المجد والشكران للثالوث المجيد، الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد، الآن وإلى الأبد، آمين. 
وبعد القداس استقبل غبطته المشاركين في الذبيحة الالهيةا

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق