ليكن لى كقولك/ نسيم عبيد عوض

فى 29 هاتور يعطينا الرب كلمته من إنجيل القديس لوقا البشير الإصحاح الأول والأعداد من 26 إلى 38 ‘ وفى كل يوم يوافق 29 لسبعة شهور قبطية ‘ وأيضا الأحد الثانى من شهر كيهك‘ وفى نهضات السيدة العذراء لا يخلو الوعظ  من هذه الأعداد ‘ لأن هذا الفصل من الإنجيل هو تذكار البشارة والميلاد والقيامة ‘ وهذه بشارة من أعظم البشائر السارة والمفرحة والمبهجة للبشرية كلها ‘ لم يسبق لها نظير ولن يكون لها مثيل.

يوم البشارة التى أرسلها الله ويحملها ملاكه جبرائيل ‘ هو يوم إنتظرته البشرية آلاف السنين لتحقيق وعد الرب بالخلاص من عبودية إبليس فى حال سقوط آدم وحواء بغواية إبليس "نسل المرأة يسحق رأس الحية ."تك3: 15. ومنذ ذلك الوعد والوقت والبشر جميعهم يتطلعون إلى حنان وحب ورحمة الله ليرسل تلك المرأة ونسلها الذى سيخلص الجميع من سطوة وعبودية الشيطان وفكنا من أسره ودخولنا  ملكوت الله كما كان يوم خلقة آدم الأول‘ وهانحن أمام السيدة العذراء ونسلها كلمة الله (اللوجس) المتجسد .

ولأن هذا الفصل من الإنجيل يتم التأمل فيه عشرات المرات طوال السنة ‘ وخصوصا من الناحية اللاهوتية ‘لكن دعونا اليوم نتأمل فى نعم روحيه تضمنتها هذه البشارة الخالدة‘ وخصوصا ونحن فى الأسبوع الثانى لصوم الميلاد الذى نصومه إستعداد لإستقبال ميلاد رب المجد يسوع‘ تماما كما صعد موسى النبى على جبل سيناء وصام أربعين يوما وأربعين ليلة والتى فى نهايتها أعطاه الله كلمته المتمثله فى وصاياه العشرة :

أولا: بشارة فرح وسرور وبهجة من السماء إنتظره الإنسان على الأرض آلاف السنين:

" وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة. الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف.واسم العذراء مريم.فدخل اليها الملاك وقال سلام لك أيتها الممتلئة نعمة .الرب معك .مباركة أنت فى النساء . فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ماعسى ان تكون هذه التحية. فقال لها الملاك لا تخافى يامريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله . وها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى. ويعطيه الرب الإله كرسي داود ابيه. ويملك على بيت يعقوب الى الأبد ولا يكون لملكه نهاية."لو1: 26-33. والفرح والبهجة والسرور مصدره الخلاص المنتظر ‘ وتحقيقا لنبوات الكتاب المقدس كله ‘ وتنفيذا لكل التدابير الإلهية منذ السقوط  حتى يتم الخلاص ‘ ومن هذه النبوات :

" ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل أش7: 14‘وأيضا  " الشعب السالك فى الظلمة قد أبصر نورا عظيما . الجالسون فى أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور."أش9: 2 ‘ونبوة أكثر تحديدا  " لانه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا الها قديرا ابا ابديا رئيس السلام ." "أش9: 6" و" قومى استنيرى لأنه قد جاء نورك ومجد الرب قد أشرق عليك."أش60: 1. وكل النبوات فى كتب العهد القديم كله وحتى آخر نبى (ملاخى) تحققت فى هذه البشارة ‘ حتى أن سمعان الشيخ لما حمل الطفل يسوع على يديه صرخ قائلا"الآن تطلق يارب نفس عبدك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نورا اعلان للامم ومجدا لشعبك اسرائيل ."لو2: 29-32‘  نبوة رآها سمعان والطفل فى أقمطته ولكنها تحققت بالحرف. وبعد قبول العذراء البشارة قالت فى تسبحتها " تعظم نفسي الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى." لو1: 46و47.

ونحن الآن فى صوم الميلاد لإستقبال التجسد الإلهى ‘ لنتذكر قول معلمنا بولس الرسول ليفسر نعمة الخلاص " الذى أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا الى ملكوت ابن محبته. "كو1: 13

 فعلينا دائما الحياة فى ملكوت الله ابن محبته ‘ لأن ملكوت الله داخلنا يقودنا فى موكب النصرة ‘ لنتحلى بالسلوك المسيحى حسب الدعوة النى دعانا بها بكل تواضع ووداعة وطول أناة محتملين بعضا بعضا فى المحبة.

فى قول الملاك للسيدة العذراء " سلام لك " هو سلام لنا جميعا لأن أمنا العذراء تقبلنه وهى مندوبة عنا ‘ ولثقة السماء فيها وإختيارها ‘ ولأنها مباركة فى النساء جميعا. والسلام نعمة لا تحل إلا حيث لا توجد خطية ‘ وحيث توجد الخطية لا يوجد سلام ‘ كقول الكتاب ( لا سلام للإشرار) ‘ وهكذا عبرت الملائكة بعد الميلاد بقولهم " المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام." ‘ ولأن السلام هبة سمائية من الله ‘ فاخيرا الأرض تمتعت بسلام الله بعد غياب طويل. فهل حياتنا المسيحية تنطق بما ننعم به من سلام الله  داحلنا؟

فى البشارة السمائية قال الملاك للعذراء " أيتها الممتلئة نعمة" وكلمة الإمتلاء من نعم الله دعوة لنا جميعا للكمال المسيحى (النسبى) كقول الرب لنا " كونوا كاملين كما ان أباكم السماوى كامل."مت5: 48‘ وأول الإمتلاء والكمال يبدأ من حب الله كالوصية الإلهية "تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك " حب بالكامل لله ‘حتى لا يجد الشيطان مكانا يتسرب منه داخلنا ‘ كما فى الهدف والوسيلة. والإمتلاء بنعم الله يحتاج الى جهاد روحى لأن الإمتلاء المفروض به ان يدخل بنا الى ملكوت ومحبة المسيح ‘ ولكن للأسف المفروض شيئ وواقعنا شيئ آخر ‘ فرحلة الخلاص تتطلب جهادا روحيا طول الوقت "مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة"أف5: 16 ‘ وحتى يصل الإنسان المسيحى الى "قياس قامة ملء المسيح ."أف4: 13 ‘ وهناك أمثلة كثيرة فى قديسين كثيرين قد حققوا الإمتلاء ونالوا أكاليل لا تحصى.

النعمة عطية إلهية وهبة مجانية يعطيها الله لأولاده الذين هم فى جهاد روحى وحياة استعداد دائم وتجاوب لوصايا الله وعمله فينا‘ لأن بدون عمل الله فى حياتنا لا نستطيع ان نفعل شيئا حسب قوله الكريم" بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئا."يو15: 5 ‘ ومن أهم النعم الإلهية التى أوضحها هذا الفصل من الإنجيل نعمة الإيمان ومعرفة الله: فقد قال لها الملاك " لا تخافى يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله وها انت ستحبلين وتلدي ابنا وتسميته يسوع... فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا.فأجاب الملاك وقال لها . الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك .فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله. فقالت مريم .هوذا أنا أمة الرب . ليكن لى كقولك." وهل هناك عقل بشرى يستطيع تحمل هذا الكلام والثقة فيه وتصديقة ‘ نعم السيدة العذراء قبلته وآمنت به وصدقته ‘ كما هو أبوها إبراهيم عندما قال له الرب " الذى يخرج من أحشائك هو يرثك . فآمن بالرب فحسبه له برا."تك15: 6‘ السيدة العذراء قبلت الإيمان منذ نعومة أظافرها تعيش فى كنف الهيكل ومع الملائكة ‘ كرست حياتها جسدا وروحا ‘ مدشنة ومخصصة ومكرسة للرب ‘ ولذلك ملء الإيمان قلبها وعقلها وعلى الفور نطقت " ليكن لى كقولك"

السيدة العذراء بستان من الفضائل وعن استحقاق أصبحت والدة الإله ‘ السماء الثانية جسديا وفاقت الأرضيين والسمائيين ‘ إتضاع ووداعة الحياء والخشوع والتكريس للرب ‘ فهى الأيقونة والمنارة لكل إنسان مسيحى . وقولها بالذات " ليكن لى كقولك " يعطينا نموذج حقيقى لنا فى إطاعة الله‘ والذى هو نفسه "وضع نفسه واطاع حتى الموت موت الصليب"فى2‘ وهناك أمثلة عديدة فى الكتاب المقدس لمن صعب عليهم طاعة الله مثل حواء ‘ سارة وموسى النبى العظيم وإرميا ...‘ ولكن هناك نماذج فريدة فى طاعة الله مثل أبراهيم‘نوح ويوسف العفيف أيوب ‘ ودانيال والى آخر صفوف المطيعين لله فى الكتاب .

وطاعة الله كما عملت بها السيدة العذراء كقول الرب" طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه"لو11: 28 ‘وكقول  الكتاب " ينبغى أن يطاع الله اكثر من الناس."أع5: 29 وحسب وصية الرب لتلاميذه قبل صعوده " وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به ." مت28: 20.

وطاعة الله هى دليل قاطع على إيماننا بالله وبكلامه وبمحبته العاملة فينا كقوله :

" أن تحبوننى فاحفظوا وصاياي . الذى عنده وصاياي ويحفظها فهو الذى يحبنى . الذى لا يحبنى لا يحفظ  كلامى. أنت أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم ." يو14و15و21. والقديس بطرس ترك لنا وصية فى الطاعة : " كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة فى جهالتكم..كونوا أنتم أيضا قديسين فى كل سيرة. طهروا نفوسكم فى طاعة الحق والروح للمحبة الأخوية." بط1: 14 و15و22.ولإلهنا المجد الدائم للأبد آمين.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق