ذكرى نذورات القديسة رفقا

بو جوده : طلبت من الرب ان يشركها معه في الامه
الغربة ـ فريد بو فرنسيس
في ذكرى ابراز النذورات الرهبانية للقديسة رفقا، اقيم قداس احتفالي في مزار القديسة رفقا في دير مار سمعان القرن في بلدة ايطو في قضاء زغرتا، تراسه راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، عاونه مدير عام الصندوق الماروني الاب نادر نادر، والكهنة طوني بو نعمه، عزت الطحش، وسايد مرون. وحضره حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها:" العذاب والألم هو نتيجة موقف الإنسان الرافض لله، الذي هو بنفسه يحكم على نفسه لكنّ الله الذي بفعل محبّة خلقه، بفعل محبّة كذلك يريد أن يخلِّصه، وهذا ما يقوله يسوع بذاته لنيقوديموس في حواره معه: هكذا أحبّ الله العالم حتى أنّه بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة، ثم يعود فيؤكّد على ذلك فيما بعد عندما يقول بأنّ الحب الحقيقي يُبنى على التضحية حتى بالذات، إذ ليس من حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل من يحب. القديس بولس، يُعبّر عن القيمة الخلاصيّة للآلام في فاتحة رسالته إلى أهل كولسي حين يقول إنّه يُتمّم في جسده ما ينقص من آلام المسيح، لأجل جسده الذي هو الكنيسة.
اضاف :"القديس بولس لا يبحث عن الألم من أجل الألم، ولا عن الإضطهاد من أجل الإضطهاد. إنّه يقبل بذلك ويعتبرها وسيلة لتقديس ذاته والتكفير عن ذنوبه وخاصة عن كونه قد حارب المسيح، فالإيمان المسيحي لا يبني على ما يسمّى مرض المازخيّة، أي مرض حب الألم في سبيل الألم، بل على العكس، فإنّه يبنى على القبول بما يرسله الله لنا من آلام من أجل تطهير ذاتنا وتنقيتها. المسيح بالذات لم يسعَ إلى الصليب من أجل الصليب، ولا إلى الألم من أجل الألم، بل على العكس فإنّه طلب من أبيه أن يُبعد عنه هذه الكأس إذا كان ذلك بالإمكان... ثمّ أضاف بقول: لتكن مشيئتك أيها الآب.  فالصليب والموت كانا بالنسبة له وسيلة للإنتصار النهائي على الموت، على ما تنشده الليتورجيّة البيزنطيّة: وطئ الموت بالموت، ووهب بذلك الحياة للذين في القبور".
وتابع :"القديسة رفقا التي نحتفل اليوم بذكراها، قبلت الألم والعذاب بهذا المعنى إذ كانت آلامها آلاماً خلاصيّة، لم تسعَ إليها حباً بها، بل مشاركةً منها في آلام المسيح. والآلام التي عانت منها رفقا لم تكن فقط آلاماً جسديّة، بل كانت قبل ذلك أيضاً آلاماً نفسيّة وعائليّة وإجتماعيّة، ولربما تكون هذه الآلام مرّات كثيرة أشدّ إيلاماً من الآلام الجسديّة. ومن أهمّها موت والدتها وهي في السابعة من عمرها، وإضطرارها للعمل كخادمة في إحدى العائلات في دمشق مدّة أربع سنوات، ثمّ زواج والدها من إمرأة ثانية والخلاف بين خالتها، أُخت أُمها، التي كانت تريد تزويجها بإبنها، وزوجة والدها التي كانت تريد تزويجها بأخيها، وسماعها للمشادة التي حصلت بين الإثنتين وهي عائدة من العين إلى البيت، حاملة جرّة الماء، وإستياءها من ذلك وحزنها. والذي عانت منه أيضاً وبصورة كبيرة هو ما رأته من مجازر في دير القمر سنة1860 عندما حصلت المجازر الشهيرة ضد المسيحيّين ورؤيتها بعض الجنود البرابرة يطاردون بخناجرهم المسنّنة طفلاً صغيراً ليذبحوه. أما الآلام الجسديّة التي عانت منها، فقد طلبت من الرب أن يجعلها مشاركة منها معه في آلامه. فقد بدأت بوجع في رأسها أخذ يمتدّ فوق عينيها كشهب نار، ورافقها وجع العينين أكثر من إثنتي عشر سنة، وإنتهى بالعمى الذي لآزمها ست عشرة سنة أخرى، بعد أن إقتلع الطبيب عينها وهو يُجري لها عمليّة جراحيّة. وبعد ذلك أُصيبت بالمرض في عظامها ووركها وإنفكّ عظم رجلها وبقيت في حالة تفكّك لا مجال لوصفها. وكانت ردّة فعلها الدائمة عبارة: مع آلامك يا يسوع".
وختم :"إنّ لنا في مَثَل رفقا، إمثولة يجدر بنا التوقّف عندها عندما نتعرّض للصعوبات والآلام في حياتنا. فقد تكون ردّة فعلنا مرّات كثيرة سلبيّة رافضة قد توصلنا إلى الكفر بالله، وقد تكون وسيلة لنا لنتنقّى ونتطهّر من رواسب خطايانا، إذ أنّها كالنار التي تُنقّي التراب، فيخرج منه الذهب لآمعاً رناناً. وقد تكون كالنار التي تحوّلنا رماداً لا نفع منه، إذا لم نتقبّلها بروح الإيمان. فالمسيح قَبِلَ العذاب والآلام والموت في سبيل خلاص البشريّة، ونحن معه مدعوّون لنشاركه عمله الخلاصي والتكفيري، من أجل تنقيتنا من خطايانا، تنقية العالم والمجتمع من المواقف المناهضة للإيمان التي يتّخذها من خلال إهتمامه المفرط وإعطائه الأولويّة المطلقة لأمور المادة والأرض. فلنطلب من الرب اليوم نعمة الثبات في الإيمان والقبول بما يرسله لنا من صعوبات في حياتنا قد تُسبّب لنا الإزعاج مرّات كثيرة، ولكنّها بالتأكيد توصلنا إلى الخلاص إذا ما قبلنا بها وقلنا مع أيوب البار الرب هو الذي يعطي وهو الذي يأخذ، فليكن إسمه مباركاً... وإنّنا كما نقبل منه الخير نقبل منه كذلك الألم والعذاب، كي نستحقّ الخلاص والعيش معه في السماء.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق