الصيام تجربة روحية/ صالح الطائي

الأمر بصيام شهر رمضان المبارك جاء بقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} حيث أنضوت الآية المباركة على امر بالصيام لمن شهد الشهر أما المريض والمسافر فلهم ان يصوموا في أيام أخرى لأن الله سبحانه أراد لهذه الأمة اليسر.
ولا تقف الأهمية التي يحتلها شهر رمضان المبارك في حياة المسلمين عند حدود الاستجابة للأمر الرباني بأداء واحدة من الشعائر الدينية التي يلزم المسلم بأدائها لكي يكمل إيمانه وإنما تتعدى إلى أبعد من ذلك، فالصيام فضلا عن بركته وخيراته ودفقات الإيمان التي يضخها في وجدان المسلم ينضوي على الكثير من الفوائد الطبية للجسم والتربوية للمجتمع والعقدية للصائم.
إن تأدية الصيام كفريضة واجبة الأداء لا يأتي تحصيل حاصل لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} باعتبار أننا كمسلمين يتوجب علينا الصيام كما وجب على اتباع  الديانات السابقة، ويعني هذا الاهتمام أن فلسفة الصيام لا تقف عند مجرد الإمساك عن الطعام والشراب وبعض المتطلبات الأخرى بقدر كونه فلسفة لا يعرف جوهرها إلا الذي يعيش تجربة الصوم حرفيا، هذه التجربة الجسدية الروحية الفريدة التي تجمع  بين مطالب الدنيا والآخرة، وتجمع بين فلسفة الأخلاق وفلسفة الحياة، فهي تتجاوز المقاصد العبادية إلى المقاصد الصحية والاجتماعية والتكافلية لتغطي مساحة كبيرة من الزمن التفاعلي للمسلم، وألا ما كان الله سبحانه قد كتبها علينا وعلى الذين من قبلنا.
والمسلمون على يقين أن عبادة الصيام المفروضة عليهم كانت مفروضة في الديانات التي سبقت الإسلام، فقد فرض الصيام على اليهود وعلى النصارى، بل هناك ما يؤكد أن عرب الجاهلية كانوا يصومون، فقد كان الأحناف من العرب يصومون في أيام معدودات من كل عام، وكان عبد المطلب جد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء رمضان شد مئزره وصعد إلى غار "حراء" يتحنث فيه.
ولقد قاسى المسلمون الأوائل من صيام شهر رمضان حتى قيل أن الشهر اكتسب اسمه مما عانوه من جهد بسبب طبيعة جزيرة العرب الصحراوية القاسية وطبيعة الحياة التي كانوا يعيشونها. وعلى أشهر الأقوال أن اسم شهر رمضان أشتق من الرَّمَض،  أي اشتداد حرارة النهار. أو من الرمضاء، وهي الحجارة المحماة. وتبعا لذلك جاء في تسمية الشهر بهذا الاسم  أقوال عديدة فمنهم من قال: أنه غالباً ما كان يصادف في زمن الرمضاء، وهو وقت اشتداد الحر في جزيرة العرب. ومنهم من قال: أنه لما نقلت أسماء الشهور عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق الشهر شدة الحر فسمي رمضان. وقيل: بل لأن وجوب صومه صادف في شدة الحر.  وقيل: أنه سمي بذلك الاسم لارتماضهم فيه من الحر والجوع. وهناك من يرى أنه سمي بهذا الاسم لأن قلوب الصائمين تأخذ فيه من حرارة الموعظة والتفكر في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس. وقيل لأنه يرمض الذنوب، أي يحرقها ويغسلها بالأعمال الصالحة باعتبار أن الاسم مأخوذ من الرميض، وهو السحاب والمطر في آخر القيظ وأول الخريف، سمي رميضاً لأنه يدرء سخونة الشمس، وهكذا رمضان يغسل الأبدان من الآثام. وقيل: أنه مشتق من رمضت النصل أرمضه رمضاً، إذا دققته بين حجرين ليرق فسمي هذا الشهر رمضان لأنهم كانوا يرمضون فيه أسلحتهم ليقضوا منها أوطارهم في شوال قبل دخول الأشهر الحرم.
وهو سواء سمي بهذا الاسم لهذا السبب أو ذاك فإنه بات من أحب الأسماء ومن أحب الشهور إلى قلوب المسلمين ولاسيما وان الشياطين فيه تقيد وتلجم، وأبواب السماء فيه تفتح لقبول الطاعات والأدعية وصالح الأعمال. والصائمون يقفون طوابير بانتظار أن يكونوا من عتقاء الشهر المبارك من نار جهنم. بمعنى أن الله سبحانه اختار لنا هذا الشهر المبارك لأنه حقا يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر سواء كانت مبالغ تصليح منظومة الكهرباء تسرق عيانا جهارا أو تستورد بها مولدات قديمة عاطلة، فيبقي واحدنا يرمض حرا ويزخ عرقا ويتوهج حرارة في انتظار صوت المؤذن لصلاة المغرب، فسبحان الله ناصر المرتمضين الصائمين في أجواء العراق اللاهبة.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق