متحف ملبورن الإسلامي بين الدين والدولة/ ناجي امل الوصفي

نشرت الصحف العربية بيان صحفي يُعلن عن قيام السيد سيمون كرين وزير الفنون الجميلة والسيدة كيت لاندي وزيرة التعددية الحضارية تخصيص مليون ونصف مليون دولار لتأسيس متحف إسلامي في مدينة ملبورن.
وهنا لا يسعني إلا أن أقول أن الجالية الاسلامية (التي أحترمها ودافعت عنها في الوقت الذي لم يجرئ أي من أعضائها أن يفتح فاهه أو يقف أمام الظلم الهاوردي الذي نزل عليهم مثل طير أبابيل) لا تحتاج إلى هذا المبلغ من أموال دافعي الضرائب الأستراليين لبناء متحف ديني.
لماذا؟
السبب الأول: لأن المملكة العربية السعودية تنتج من البترول الخام يوميا ما يعادل ميزانية أستراليا كلها في عام كامل. ناهيك عن آل صباح بالكويت وآل خليفة بالبحرين وسلاطين جنوب جزيرة العرب. وهؤلاء الملوك الكرام قادرون على تقديم التمويل المشرف الذي يصل إلى مئات الملاين من الدولارات وهو المبلغ المطلوب لتأسيس متحف يتشرف به المسلمون والمسيحيون على حد سواء. عندئذٍ ربما يستطيع المسئولون عن المتحف الاسلامي بملبورن شراء بعض الاثار التي نهبها وسرقها تجار الآثار من مكتبة بغداد ومتحفها اللتان تم تدميرهما بمعرفة الولايات المتحدة الأمريكية وموالسة حكومة هاورد الاسترالية. فنحن نعرف أن مكتبة بغداد كانت تحتوي على نسخ من آيات الذكر الحكيم المكتوبة بخط اليد وهذه النسخ موجودة في السوق السوداء وتقدر بملاين الدولارات.
السبب الثاني: انطلاقا من مبدأ الدين لله والوطن للجميع أقول أن تكاليف بناء المتحف الديني (سواء كان متحف مسيحي أو اسلامي أو يهودي) يجب أن تأتي من عند الله (أي من جيوب المؤمنين بالله)؛ أما تكاليف بناء مركز صغير للفنون الجميلة والابداع الإنساني (مثل المركز الفني الذي أحلم بتاسيسه في أستراليا) فيجب أن تأتي من جيب قيصر. والقيصر في هذا الوقت من الزمان هو السيدة جوليا غيلارد.
السبب الثالث: المنحة التي تقدمها حكومة السيدة غيلارد التي تترنح تحت ضربات السيد طوني أبوت تأتي في توقيت مشبوه. ولا يسعني هنا إلا تحذير أخواني المسلمين الاذكياء. فهذه المنحة السخية لا تُعبر عَنْ أحترام الحكومة العمالية للحضارة الإسلامية بل هي رشوة لشراء الأصوات في الانتخابات القادمة. والفرق كبير جدا وأنا أعلم أن رفاقي المسلمين الأذكياء يفهمون هذا الفرق تماما.
السبب الرابع: هذه المنحة المالية (التي تبدو سخية وهي في حقيقة الأمر منحة أناركسية نحيفة لا تتعدى سعر منزل "تعبان" في حي من أحياء الفقراء بمدينة سيدني) تخلط بين الدولة والدين. وهذا أمر خطير.
 ما هي خطورة هذا الأمر؟؟؟
الخطورة تكمن في المشاكل الامحدودة التي تنتج عن ولاء المؤمنين بدين معين لأتجاه سياسي معين. وقد حدث ذلك أيام حكم هتلر لألمانيا فقد أستطاع هتلر بذكائه الألماني الفطري أن يُسخر  طاقات الفاتيكان والبابا "بايص" الثاني عشر (أنظر الصورة) وكسب تأيده لسياسته الفاشية وإجرامه المتعمد ضد أخواننا اليهود الأبرياء.

هتلر والبابا المعظم بايص الثاني عشر
إن فصل الدين عن الدولة هو أمر لا مفر منه إذا اردنا أن نعيش في دولة مدنية تحترم جميع الأديان ولا تنصر دين ضد آخر بل تقف على مسافة واحدة من الجميع.
السبب الخامس: لم يتحدث السيد سيمون كرين ولا السيدة المحترمة كيت لاندي عن نوع المعروضات في هذا المتحف: هل ستتضمن نفائس التراث الشيعي وكتب على ابن أبي طالب؟ هل سيكون معرض لأخواننا السنة فقط؟ هل سيحق للعلويين المحاصرين الآن في دمشق عرض آثار وكتب ومصاحف تابعة لهم أم سيتم تهميشهم لأن أمريكا "غضبانة" عليهم؟ وماذا عن الصوفيين؟ هل سيجد زوار المتحف الأسلامي المعتزم إنشائه في ملبورن شيئ ما عن الاضطهاد والذبح والتنكيل الذي تعرض له أخواننا الصوفيين عبر القرون الماضية؟ أم أنّ المتحف سيهمشهم أيضاً؟ والسؤال المحرج هنا هو هل سيحتوي المتحف على كتب أصدرها الدكتور ايمن الظواهري قائد الحركة الوهابية حاليا؟؟؟
ونحن دافعي الضرائب نرغب في معرفة لمن ستُمنح أموالنا ونرغب أن يكون هذا المتحف متحف شامل يُكرم كل طوائف الدين الاسلامي ولا يقف مع فريق ضد فريق.
وعلى صعيد آخر أود أنْ أذكر القارئ الكريم (أو أخبره) بالإعلان الذي وضعته لشهور طويلة في جريدة النهار الغراء وقام المترجمون العاملون مع أجهزة الاستخبارات بترجمته والذي ملئ قلوب الحاقدين على ناجي-أمل الوصفي بالغبطة والسعادة، والذي كتبته بدموعي والذي ناشدت فيه الجالية العربية مساعدتي على إيجاد منزل (بإيجار معقول) لتحويله إلى متحف يضم حضارة إنسانية: لوحات زيتية (منها لوحة تدين الحرب على الاسلام)، ولوحات اكريليكية، ونحاسيات، ومنحوتات، وكتب يرجع تاريخ نشرها للقرن التاسع عشر، وتحف أخرى قديمة، ونباتات نادرة (مات معظمها من غباء وغشامة صاحبة المنزل الذي أقيم به).

لوحة الفنان ناجي-أمل الوصفي التي تدين الحرب على الإسلام

أذكر القارئ الكريم (أو أخبره) بأنني لم أتلقى تليفون واحد ردا على إعلاني. ولم يتقدم شخص واحد من هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم حماة للدين المسيحي حتى بمساعدة خجولة أو بفكرة خيبانة أوبأي شيئ. صفر! صفر يجلب العار على كل من يتشدق بكلمات الحقد والكراهية للاديان الأخرى.
هذه هي المرة الثانية التي أوثق فيها غباء الحكومة الأسترالية واستخدامها السيئ لأموال دافعي الضرائب. فقد وثقتها في عام ألفين عندما طلبت من بلدية باراماتا السماح لي بعرض بعض أعمالي الفنية في قاعة مناسبات جرانفل. ورفضت البلدية ومنحت القاعة ((ببلاش)) لأعوان بن لادن الذين أهانوا زوجتي في ذلك الوقت ألس خشابا ونشبت بينها وبينهم معركة كلامية وتلاسن أرغمني على الانسحاب من المؤتمر الديني الاسلامي أحتراما لمشاعر أخواني المسلمين. وكان معي في ذلك اليوم الزميل عمر موسى والدكتور رئيس الرابطة القلمية وزوجته الكريمة.
لا يسع القارئ الذكي والقارئة الواعية إلا الوصول إلى نتيجة هامة ألا وهي أن العالم الرأسمالي لا يحترم إلا الأقوياء ومحبي العنف والحروب؛ بل تستطيع القارئة الواعية أن تستنتج أن الرأسمالية الفاسدة تلعب على الحبلين وتؤجج الفتن الدينية بين أفراد الوطن الواحد وحسبك دليلا على كلامي ما فعله الأمريكان بدعم من الجيش الأسترالي في أفغانستان والعراق وما فعله حزب الناتو بليبيا وما سيفعله الغرب في القريب العاجل بشعب سورية ومصر والدمار الذي ستلحقة الدول الغربية بالشعوب العربية البائسة.
أما أمثالي من محبي السلم وعشاق السلام والتناغم والراغبين في دفع الإنسانية إلى الأمام (ليس عن طريق الأديان فقط بل أيضا عن طريق الفنون الجميلة والابداع الفني) فليس لهم إلا أحتقار السياسيون، ((ولأمنة)) أولي الأمر، ووقاحة كلاب السلطة. وربما يكون مصير بعضهم الأغتيال أو الزج في السجون بأتهامهم بجرائم لم يرتكبوها وهم منها براء.
الوثيقة التي تدعم كلامي منشورة في جميع الصحف الانجليزية والعربية!
ناجي-أمل الوصفي
سيدني
التاسع من مايو من العام الثاني عشر بعد الالفين

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق