لمحة مختصرة عن اليعاقبة/ لطيف شاكر


اثار الدكتور يوسف زيدان في لقاء تليفزيوني ان الكنيسة القبطية هي كنيسة يعقوبية وقد اشرنا في المقال السابق زيف هذه التسمية ودحضنا فكرته بالادلة القاطعة, وفي هذا المقال وددت ان اوضح ماهي اليعقوبية ونشأتها ومن هو القديس يعقوب البرادعي حتي نستكمل البحث وتتضح الرؤية للقارئ العزيز .

ظهرت في المسيحية خلال عصورها الأولى آراء متباينة في العقيدة المسيحية فذهب البعض إلى أن الرب واحد في جوهره مثلث الأقانيم (الآب والابن والروح القدس إله واحد) وذهب البعض الآخر إلى أن إنكار لاهوت المسيح وأنه لم يكن إلهاً بل هو مجرد إنسان مخلوق وتم إطلاق مصطلح الهرطقة على كل مااعتبره الأكثرية خروجا عن مااعتبرته "تفاسير وتأويلات غير صحيحة لمفهوم آيات الكتاب المقدس فكان يعقد بين الحين والآخر اجتماعات تُعرف باسم المجامع لبحث هذه الهرطقات وإصدار الحكم بصددها

عقد في عام 449 المجمع الرابع أو ماسمي مجمع أفسس الثاني الذي تم رفض قراراته من قبل بابا روما ودعى الإمبراطور مرقيانوس والإمبراطورة بولخيريا لانعقاد هذا المجمع بناء على طلب أسقف روما فتم عقد مجمع خلقيدونية في مدينة خلقيدونية سنة 451 وحضره 330 أسقفاً (في رواية) و600 أسقف في روايةأخرى يعتبر المجمع الرابع ومجمع خلقدونية من أكثر المجامع المثيرة للجدل فقد ذهب البعض إلى أن أوطاخي قد "دلّس به وخدع آباء المجمع الذين أقرّوا بأرثوذكسيته، وهذه الكنائس هي التي رفضت لاحقاً مجمع خلقيدونية وإن كان آباؤها قد قاموا في ذلك المجمع (خلقيدونية) بالحكم بهرطقة أوطاخي وحرموه، أما الكنائس التي اعترفت بخلقيدونية فتطلق على مجمع إفسس الثاني انه مجمع لصوص وترفض كامل نتائجه وتعدّ مجمع خلقيدونية المجمع المسكوني الرابع . وقد أدى نتائج مجمع خلقيدونية إلى انفصال تدريجي لكنائس مصر والحبشة وأرمينيا

بعد انقضاء مجمع خلقيدونية آثار الأباطرة البيزنطيين اضهادات عنيفة ضد كل من رفض صورة إيمان ذلك المجمع وكأنه يرفض الخضوع للإمبراطور نفسه إذاما رفضها وتلك الصورة تقول أن للمسيح طبيعتان إلهية وإنسانية، بلا اختلاط ولا تغيير، وبلا انقسام ولا انفصال. وصورة الإيمان هذه تشبه في جوهرها إيمان رافضي مجمع خلقيدونية من السريان الأرثوذكس وغيرهم ولكن مسألة الخلاف بالدرجة الأولى كانت مسألة صيغة، إذ إنّ اللاخلقيدونييّن يكتفون بعبارة "طبيعة"

واحدة كما استعملها كيرلس الأول (القرن الخامس)، ويرفضون الصيغة الخلقيدونيّة (طبيعتان). ولكن كانت كل تلك التهم والاختلافات اللاهوتية غطاء لفرض سيطرة المحتل البيزنطي، والذي أذاق أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية صنوف التعذيب الذي طال حتى كبار رجال الدين عندهم فقتل البعض ونفي البعض الآخر وتشرد الكثيرين منهم في كل مكان ولم يبق لتلك الكنيسة عام 544 م سوى ثلاثة مطارنة (أساقفة).

وفي هذه الفترة العصيبة من تاريخ تلك الكنيسة ظهر يعقوب البرادعي، حيث توجه إلى القسطنطينية للقاء الملكة ثيودورة والتي كانت تتعاطف مع اللاخلقيدونين في ظروفهم القاسية التي كانوا يعيشونها، والملكة السورية ثيودوره ذات أصول سريانية من مدينة منبج في سوريا، وبرعاية الملكة ثيودورة رسم يعقوب البرادعي مطرانا عاما للسريان على يد ثيودوسيوس بطريرك الإسكندرية الذي كان منفيا في القسطنطينية، وابتدأ البرادعي بعد نيله لصفة شرعية بإحياء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية واقام لها من جديد عشرات المطارنة ومئات الكهنة والشمامسة، وتوفي عام 578 م، وتمكنت كنيسة السريان في تلك الفترة من الصمود أمام عواصف الاضطهادات بفضله لذلك أطلق البيزنطيون في مجمعهم السابع في القرن الثامن اسم اليعاقبة على السريان الأرثوذكس نسبة إلى يعقوب البرادعي، وغايتهم من هذا إثبات أن البرادعي هو موجد هذه الكنيسة، بينما يرفض اتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية هذه التسمية بشكل قاطع وحجتهم بهذا أنهم لاينتمون لأي أب من آباء الكنيسة بل للمسيح ولأن تاريخهم بدأ مع تأسيس بطرس الرسول لكرسي أنطاكية فكان بحسب اعتقادهم أول بطاركتهم كما ترفض هذه الكنيسة أيضا باقي التسميات الغريبة التي نعتت بها كالأوطاخية لأنها بدعة تخالف إيمانها وهي تنبذ أوطاخي وتعتبره من الهراطقة.

يقول المؤرخ هنري بدروس تحت عنوان الكنيسة السريانية والقديس يعقوب البرادعى :

السريان لا يفضلون اسم اليعقوبية فالكنيسة السريان اسسها القديس مار بطرس وليس مار يعقوب البرادعي , والقديس يعقوب البرادعى له وزنة فى خدمة المسيح ولكن اطلق على السريان اسم اليعاقبة كنوع من التحقير لأنه كان فقيراً جداً ولكنه كان عظيم الإيمان فالقديس مار يعقوب البرادعي هو الذى ثبت الكنيسة السريانية ايام عصر الاضطهاد والابادة التي لحقتها من الكنائس الخلقدونية وقام بنشر الإيمان ورسم عدد من الاساقفة .

من هو يعقوب البرادعي

فعلى أثر مجمع خلقيدونية عام 451م الذي رأت كنيستنا المقدسة في قراراته الانحراف عن العقيدة التي تسلّمتها من الرسل الأطهار والآباء الميامين، وتبنّت الدولة البيزنطية قرارات هذا المجمع واضطهدت رافضيها وقتلت بعضاً ونفت آخرين ومات غيرهم من شدة الاضطهاد وتشرّد غيرهم. لم يبقَ للكنيسة السريانية في أواسط القرن السادس للميلاد سوى ثلاثة مطارنة. في هذه الفترة العصيبة قيّض اللـه للكنيسة رجلاً هماماً هو مار يعقوب البرادعي أحد قادة الكنيسة السريانية العظام والذي ندر أن يقوم مثله. ففي الزمن العصيب وقاها من محاولة أعدائها القضاء عليها وشجّع أتباعها على صيانة جوهرة الإيمان الأرثوذكسي الذي تسلّمته من الرسل الأطهار والآباء الأبرار. كان قد لبس الإسكيم الرهباني في دير فسلتا القريب من بلدته وأتقن اللغتين السريانية واليونانية وعرف بتقواه واجتراحه المعجزات وكان ناسكاً زاهداً، صار ثوبه الخشن مثل البردعة فسمي بالبرادعي وكان عالماً كبيراً وواعظاً ناجحاً ولاهوتياً قديراً. قصد القسطنطينية فاستقبلته باحترام الإمبراطورة تيودورة ابنة قسيس منبج السرياني وزوج الإمبراطور جوستنيان التي كانت تخدم الأساقفة غير الخلقيدونيين، السريان والأقباط المضطهَدين المنفيين وتساعدهم في ضيقهم. وبهمّتها رُسم مار يعقوب البرادعي مطراناً عاماً سنة 544م على يد مار ثيودوسيوس بطريرك الإسكندرية الذي كان آنذاك منفياً في القسطنطينية، واشترك معه بوضع اليد ثلاثة أساقفة كانوا في السجن. فشمّر مار يعقوب البرادعي المطران العام عن ساعد الجدّ وجال متفقّداً الكنائس ومثبّتاً المؤمنين في سوريا ومصر وآسيا الصغرى وما بين النهرين على العقيدة السمحة والإيمان الأرثوذكسي ورسم سبعة وعشرين مطراناً، ومئات الكهنة والشمامسة. وانتقل إلى جوار ربه في 30 تموز سنة 578م وعيّدت له الكنيسة المقدسة بتذكار نياحته .

القديس يعقوب البرادعي بخلاف القديس يعقوب السروجي الملقب بقيثارة الروح القدس، وعمود الكنيسة السريانية وكان أسقفاً على إيبرشية سروج سنة 519 م وهو من اصحاب الطبيعة الواحدة "المونوفيزتية": ويمكن ان نتناول سيرتهما العطرة في وقت لاحق لانه حلوة وشهية سيرة القديسين لنتمثل بايمانهم .

فكرة مختصرة عن الطبيعتين والطبيعة الواحدة :

عقيدة الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة (السيد المسيح)من طبيعتين بغير امتزاج ولا اختلاط ولا تغيير وهم اللاخلقيدونيين وتشمل الكنائس القبطيّة والأرمنيّة والسريانيّة والاثيوبية ووومنيسة توما الرسول جنوب الهند

وعقيدة الطبيعتين الذي ذهب اليهاالخلقيدونيين يقولون طبيعتين بغير انفصال او تقسيم في شخص المسيح والكنائس التابعة لهذا المعتقد كنائس أنطاكية، القدس، روسيا (أكبر كنيسة أرثوذكسية)، رومانيا، بلغاريا، الصرب، ألبانيا، اليونان، جورجيا، قبرص، أمريكا، وبطريركية القسطنطينية (إستانبول)

لاحظ ان كل الكنائس المذكورة ان كانت الطبيعة الواحدة والطبيعتين هم كنائس ارثوذكسية لان الكاثوليكية والبروتستانينة لم يظهرا بعد واردت التنويه لانني لاحظت بعض الكتاب يدعوا ان البيزنطيين ليسوا ارثوذكس ومنهم د. زيدان في كتابه اللاهوت العربي ( يمكن الكتابة في هذا الموضوع بالتفصيل في الوقت المناسب)

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق