النيروز عيداً قوميا لكل المصريين/ لطيف شاكر



ظل‏ ‏التقويم‏ ‏المصري‏ القديم ‏للشهداء‏ ‏ (القبطي)هو‏ ‏التقويم‏ ‏الرسمي‏ ‏المعمول‏ ‏به‏ ‏في‏ ‏المصالح‏ ‏الحكومية‏ ‏حتي‏ ‏أواخر‏ ‏عهد‏ ‏الخديوي‏ ‏إسماعيل‏ ‏عام‏1875(‏الموافق‏1591‏ش‏) ‏حيث‏ ‏أمر‏ ‏الخديوي‏ ‏باستعمال‏ ‏التقويم‏ ‏الإفرنجي‏ ‏بناء‏ ‏علي‏ ‏رغبة‏ ‏الأجانب‏ ‏بسبب‏ ‏صندوق‏ ‏الدين‏, ‏ومازال‏ ‏الفلاحون‏ ‏يعتمدون‏ ‏عليه‏ ‏حتي‏ ‏الآن‏ ‏في‏ ‏الزراعة‏. ‏لذا‏ ‏فإن‏ ‏الكنيسة‏ ‏تصلي‏ ‏بالطقس‏ ‏الفرايحي‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏خدماتها‏ ‏من‏ ‏عيد‏ ‏النيروز‏ ‏أول‏ ‏توت‏ ‏حتي‏ ‏اليوم‏ ‏السابع‏ ‏عشر‏ ‏فيه‏ ‏تذكار‏ ‏عيد‏ ‏الصليب‏ ‏المجيد‏, ‏تكريما‏ ‏وتمجيدا‏ ‏لشهداء‏ ‏الكنيسة‏.‏

قال هيرودت المؤرخ الإغريقى (قبل الميلاد بحوالى ثلاثة قرون) عن التقويم القبطى (المصرى): [وقد كان قدماء المصريين هم أول من أبتدع حساب السنة وقد قسموها إلى 12 قسماً بحسب ما كان لهم من المعلومات عن النجوم، ويتضح لى أنهم أحذق من الأغارقة (اليونانيين)، فقد كان المصريون يحسبون الشهر ثلاثين يوماً ويضيفون خمسة أيام إلى السنة لكى يدور الفصل ويرجع إلى نقطة البداية] ولقد قسم المصريين (منذ أربعة آلف ومائتى سنة قبل الميلاد) السنة إلى 12 برجا فى ثلاثة فصول (الفيضان - الزراعة - الحصاد) طول كل فصل أربعة شهور، وقسموا السنة إلى أسابيع وأيام، وقسموا اليوم إلى 24 ساعة والساعة إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية وقسموا الثانية أيضا إلى 60 قسماً.



والسنة فى التقويم القبطى هى سنة نجمية شعرية أى مرتبطة بدورة نجم الشعرى اليمانية (Sirius) وهو ألمع نجم فى مجموعة نجوم كلب الجبار الذى كانوا يراقبون ظهوره الإحتراقى قبل شروق الشمس قبالة أنف أبو الهول التى كانت تحدد موقع ظهور هذا النجم فى يوم عيد الإله الغظيم عندهم، وهو يوم وصول ماء الفيضان إلى منف (ممفيس) قرب الجيزة. وحسبوا طول السنة (حسب دورة هذا النجم) 365 يوماً، ولكنهم لاحظوا أن الأعياد الثابتة الهامة عندهم لا تأتى فى موقعها الفلكى إلا مرة كل 1460 سنة، فقسموا طول السنة 365 على 1460 فوجدوا أن الحاصل هو 4/1 يوم فأضافوا 4/1 يوم إلى طول السنة ليصبح 365 يوماً وربع. أى أضافوا يوماً كاملا لكل رابع سنة (كبيسة). وهكذا بدأت العياد تقع فى موقعها الفلكى من حيث طول النهار والليل. وحدث هذا التعديل عندما أجتمع علماء الفلك من الكهنة المصريين (قبل الميلاد بحوالى ثلاثة قرون) فى كانوبس Canopus (أبو قير حاليا بجوار الأسكندرية) وأكتشفوا هذا الفرق وقرروا إجراء هذا التعديل فى المرسوم الشهير الذى أصدره بطليموس الثالث وسمى مرسوم كانوبس Canopus

حساب الابقطي

الابقطي كلمة قبطية معناها الحرفي الفاضل او الباقي , ويقصد بها فاضل الشمس أو فاضل القمر , ويستعملهذا الباقي في عمليات حسابية متعددة للوصول الي موعد فصح اليهود , وبالنالي موعد عيد القيامة والاعياد الاخري المرتبطة به , وفكرة الابقطي تأسست علي أساس ان الفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية قدرها 11 يوما وكسور, وان هناك دورة كاملة للقمر في الفضاء بالنسبة الينا تبلغ مدتها18.6 سنة شمسية كما ان هناك متوسطا عاما لطول الشهر القمري في الدورة الكاملة وهو29 يوما و12 ساعةو44دقيقة و3 ثوان , ويمكن التنبؤ بمقتضاه عن الأهلة الجديدة وأوجه القمر لمئات السنين . وقد اسس هذا الحساب البابا ديمتريوس البابا ال12 بواسطة علماء مدرسة الاسكندرية .

لم يطلق قدماء المصريين علي شهورهم في باديء الأمر أسماء بل اكتفوا بالقول في الشهر الأول ثم الثاني.. الخ بالتعبير عنها بالأرقام ولكن في عهد الفرس في أيام الأسره السادسه والعشرين وفي القرن السادس قبل الميلاد أطلقوا علي كل شهر أسم معبود من معبوداتهم وربطوا كل شهر بمثل شعبي يميز مناسبة معينة مثل:

توت: مشتق من الأله تحوت اله المعارف رب القلم ومخترع الكتابه. وفي الأمثال في شهر توت (أزرع ولا فوت) بأعتبار أن أول توت شهر الفيضان ويقال (كل رطب توت)

بابه: من أسم الأله (بي تبدت) اله الزرع وفيه يخضر وجه الأرض بالمزروعات ويقولون في الأمثال (ان صح زرع بابه غلب القوم النهابه وان هاف زرع بابه ما يبقاش فيه ولا لبابه)

هاتور: من أسم الأله أثور الهه الحب والجمال ملكه السماء والفرح والمحبه والتي يقابلها عند اليونان (أفروديت) وفي هذا الشهر يتجمل وجه الأرض بجمال الزراعه لذلك يقولون في الأمثال (هاتور أبو الذهب المنثور) وايضا (ان فاتك زرع هاتور أصبر لما السنه تدور)

كيهك: وهو مخصص للمعبود (كا ها كا) أي عجل ابيس المقدس وللمعبوده سخمت وبست الهه الخير , وفي هذا الشهر يطول الليل ويقصر النهار ويقولون في الأمثال (كيهك صباحك مساك تقوم من فطورك تحضر عشاك)

طوبي: وهو مخصص للمعبود أمسو ويسمي أيضا خم وهو شكل من اشكال أمون رع اله طيبه بمصر العليا واله نمو الطبيعه لأن في أوانه يكثر المطر وتخصب الأرض. وفي الأمثال يقولون (طوبه تخلي الصبيه كركوبه من البرد والرطوبه)

أمشير: مأخوذ من اله الزوابع ويقولون (أمشير أبو الطبل الكبير والزعابيب والعواصف الكثير) \

برمهات: وينسب الي (بامونت) اله الحراره ويسمي شهر الشمس وفيه تشتد الحراره فتنضج المزروعات ويقال في الأمثال (برمهات روح الغيط وهات) وايضا (عاش النصراني ومات ومأكلش اللحمه في برمهات) علي اساس أن الصوم الكبير يقع دائما في برمهات.\

برموده: مخصص للأله (رنو) و(رنوده) اله الرياح القارسه واله الموت ويصور بصوره أفعي وفيه ينتهي عمر الزرع وتصير الأرض قاحله وفي الأمثال(في برموده دق بالعموده)

بشنس: مخصص للأله (خنسو) اله القمر وفيه يطول النهار ويقصر الليل ويقولون في الأمثال (بشنس يكنس الغيط كنس). اشاره الي خلو الغيط من المزروعات

باؤني: قيل ان اصله (با أوني) وينسب الي اله المعادن لأن شده الحراره تسوي المعادن ولذلك يسمي (بؤونه الحجر) ويقولون (بؤونه تكتر فيها الحراره الملعونه).

أبيب: قيل أن أصله (هوبا) اله الفرح و(هابي) اله النيل وقيل من اله الثعابين وذلك لأن الثعبان الكبير (أبيب) يرمز للظلام ويقولون (أبيب طباخ العنب والزبيب)

مسري: يقابل برج الثور واسمه من (ماسي) ويقال في الأمثال (مسري تجري كل عسرهعيد الشهداء

وقد وضع هذا التقويم العلامة الفلكي (توت) قبل أي تقويم آخر عرفه العالم بعد ذلك شرقا وغربا. وتقديرا من المصريين القدماء لهذا العلامه رفعوه الي مصاف الألهه، وصار (توت) هو اله القلم والحكمه والمعرفه. وهو الذي اخترع الأحرف الهيروغليفيه التي بدأت بها الحضاره المصريه لذلك خلدوا أسمه علي أول شهور السنه المصريه والقبطيه.

تحتفل الكنيسه القبطيه في الحادي عشر من شهر سبتمبر بعيد رأس السنه القبطيه (عيد النيروز). والنيروز كلمه فارسيه أستخدمها الفرس عندما دخلوا بلادنا وأرادوا أن يحتفظوا بالتقويم المصري القديم. واطلقوا لفظه (ني روز) علي أول يوم من التقويم ومعناها (اليوم الجديد). وكان هذا اليوم عند الفراعنه هو تاج الأعياد لأنه يرتبط بحياه مصر الزراعيه وكانوا يحتفلون به احتفالا رائعا بأعتباره عيد الفيضان الذي يحي أرض مصر. وأستمر أجدادنا المصريون القدامي يحيون هذا العيد حتي عهد الأمبراطور الروماني دقلديانوس الذي تولي الحكم سنه 284 للميلاد. وفي ذلك العهد ذاق الأقباط مر العذاب. وذبح منهم آعدادا كبيره قدرت ب 840 الف نسمه. سالت دماؤهم الزكيه لتكون بذارا لنمو الكنيسه ولم يكن لهم ذنب سوي أنهم رفضوا عباده الأوثان وأرتضوا عباده الله الواحد. وهنا فكر أجدادنا أن يجعلوا رأس سنتهم الزراعيه رأسا لتقويم جديد أسموه (تقويم الشهداء) والتقويم القبطي. لقد أستبدلوا ذكري فيضان النيل بذكري فيضان دماء الشهداء الغزيره التي اعتبروها بذارا لايمانهم.

ويحظي النيروز‏ باهتمام شديد باعتباره عيد مصري قديم يوافق اليوم الأول في السنة الزراعية الجديدة، حيث نظمت بعض الجمعيات الأهلية عدة فاعليات للاحتفال بالنيروز كتراث ثقافي مصري كاد أن يندثر‏، وباعتبار أن السنة المصرية التي تبد بشهر توت هي الأساس الذي تقوم عليه الزراعة المصرية إلي الآن‏.

‏نظمت جمعية التنوير سابقاً ندوة بعنوان: النيروز عيد قومي لكل المصريين، وشرح بيومي قنديل معني كلمة نيروز قائلا‏: ‏إنه في الأصل مشتقة من الكلمة القبطية ني يارؤو أي الأنهار لأن ذلك الوقت من العام كان ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل سبب الحياة في مصر ثم حرفت الكلمة إلي النيروز‏. وااشهور القبطية لازالت مستخدمة في مصر ليس فقط علي المستوي الكنسي بل علي المستوي الشعبي أيضا خاصة في الزراعة وأوضح دليل أن الأميين لديهم وعي أكبر من المتعلمين في هذ الشأن لأنهم مازالو يحافظون علي بعض الكلمات القبطية والمصرية القديمة يستخدمونه في حياتهم اليومية.

فالتوقيت المصري استمر علي لسان الفلاحين الذين يستخدمون الشهور القبطية في الزراعة‏، ويردد الفلاحون الأمثال الشعبية المرتبطة بهذه الشهور وأكد قنديل أن التراث القبطي يعد تراث مصري يجب الدفاع عنه لأنه يحمي الخصوصية المصرية في مواجهة الثقافة العربية المسيطرة علي مؤسسات الثقافة والتعليم والإعلام‏.

وفي نفس السياق نظم الصالون المصري بيت المواطنة المصرية جمعية أهلية تحت التأسيس احتفال بحفل رأس السنة المصرية الجديدة عيد كل المصريين بالقرية الفرعونية، حيث نظم بعض المثقفين هذه الاحتفالية لخلق أرضية مشتركة بين المسيحيين والمسلمين. وتبدأ هذه السنة من بداية استخدام الشهور القبطية في مصر الفرعونية قبل الحقبة القبطية‏. وقد طالب الدكتور عماد أبو غازي الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة والمشرف علي اللجان الثقافية بالمجلس الأعلي للثقافة في كلمة بعنوان عيد المواطنة المصرية، طالب بإحياء الاحتفال بالنيروز كعيد وطني مصري قديم‏. ‏وأضاف أن المقابر المصرية القديمة سجلت مظاهر الاحتفال برأس السنة المصرية حيث كان الناس يتبادلون الهدايا‏، ويتجمع الرجال والنساء في جماعات كبيرة ويركبون السفن والقوارب التي تتجول بهم في نهر النيل وهم يغنون ويعزفون الموسيقي ويرقصون في احتفال من أكثر الاحتفالات المصررية بهجة‏، وفي الاحتفال تدق بعض النساء الطبول‏، ويعزف بعض الرجال بالمزامير‏، ويقوم البعض بالتصفيق بالأيدي‏.‏

ورغم توالي عهود الاحتلال الأجنبي علي مصر فقد حافظ المصريون علي الاحتفال بهذه المناسبة عبر العصور‏، ويذكر المقريزي الذي عاش في عصر المماليك مظاهر الاحتفال برأس السنة المصرية في العصور الوسطي‏، والذي كان واحد من الاحتفالات الكبري التي يحتفل به المصريون جميع مسلمون ومسيحيون‏، كم كانت الدولة منذ العصر الفاطمي تحتفل علي المستوي الرسمي بهذه المناسبة بتوزيع العطايا والهدايا إلي جانب الاحتفالات الشعبية‏، والتي كانت تأخذ شكل كرنفال شعبي رائع يخرج فيه الناس إلي المتنزهات العامة ويرشون بعضهم بالماء‏، ويختارون من بينهم شخص ينصبونه أمير للنيروز يسير بموكبه في الشوارع والحارات ويفرض علي الناس الرسوم ويحصله منهم ومن يرفض يرشه بالماء‏، وكل هذ طبع من باب الدعابة واللهو‏.

ودمتم بخير وعام مصري جديد مملوء بالخير والبركة.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق